الدور العالمي للمسلمين في العمل الإنساني

منذ صدر البشرية ونزول أبينا آدم عليه السلام إلى المعمورة وإعمار بني البشر لهذا الكون الواسع الفسيح… أرسل الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل لتنظيم إقامة حياة بشرية عادلة مستقرة ينعم بها بنو البشر، وحدد رسالتهم على اختلاف أزمنتهم وأماكنهم في أبعاد ثلاثة: إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور السلطان إلى عدل الرحمن ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، حتى لا يرتبط بنو البشر برباط يجذبهم للأدنى ( وهي الدنيا ) ولا يطلقهم للأسمى ( وهي الآخرة ). لذا سما المسلمون من قديم الزمان حينما تغاضوا عن الصغير الأدنى وتفاعلوا مع العظيم الأبقى وهو إرضاء خالق الكون ومدبر أمر السماوات والأرض سبحانه وتعالى…

مبادئ أرساها الإسلام لإقامة حياة فاضلة على وجه المعمورة
1- التعارف ثم التعايش
لقد نادى البارئ المولى جميع البشر من جميع الأجناس إلى التعارف والتشاور وتبادل النصح والعلم والمعلومات، فقال عز وجل { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم } فالخطاب هنا ليس قاصرا على المسلمين وحدهم وليس محدودا بزمان أو مكان بل هو شاملا لبني البشر.
والخطاب يأمر بني البشر بالتعارف، والتعارف مقدمة التآلف، والتآلف مقدمة للتصادق، والتصادق مقدمة للتبادل والتبادل مقدمة للتعايش، مع اختلاف أفئدتنا وألسنتنا ومعتقداتنا…
ومعنى التعايش هنا يشمل التعارف وهو الأصل الذي يؤدي إلى الألفة والمصارحة والود والقرب من بني البشر كافة مما يؤدي إلى تدافع الناس لإصلاح الكون وإصلاح النفس البشرية، وهذا عكس التقاطع والتباعد والتباغض والتنافر والتشاحن والتي تؤدي إلى اندلاع الحروب والانكواء بويلاتها وتدمير البشرية وإبادة حضاراتها. ويذكرنا الله سبحانه وتعالى في هذا الصدد بمعنى التدافع الذي يثمر الحياة ويجعلها أمنا لجميع بني البشر {ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لهدمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا } والتدافع الذي تشير إليه الآية هنا هو التنافس الحر الشريف في إصلاح البشرية ومعتقداتها وإنماء الكينونة ومنشآتها وإعمار الأرض.

2- التعاون
ثم يفرد المولى عز وجل معنى التعاون العظيم الذي على أساسه تقوم الحضارات وتنمو الثقافات وتزدهر في ظله حقوق الأقليات {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }، نداءً عالميا جليلا وميثاقاً للإنسانية جمعاء، تعاون أصله التقوى وقاعدته القوية هي الصلة الوثيقة بالله سبحانه وتعالى وليست الروابط المادية والألقاب الدنيوية…
ويعلن الرسول نداءات عالمية تصلح لكل زمان وتزرع الخير في كل مكان ( إن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ) فهذا نداء شامل حيث أن مبدأ العبودية يشمل حتى الخلائق الأخرى التي لا يعلمها إلا الله. ومبدأ الأخوة الشامل أيضا هو الذي يشمل أبناء آدم عليه السلام فكلهم منشأهم واحد ومستقرهم واحد ومرجعهم واحد فيلتقون في وحدة المنشأ والمستقر والمرجع ولا مفر من هذا. فهذا هو ناموس الحياة التي جعلها الله سبحانه وتعالى مستقراً إلى حين لإصلاح النفوس وإعمار الكون…

واجب المسلم في العمل الخيري الإنساني العالمي
1- قيمة الحياة عند المسلم
علّمنا المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم أن هذه الدنيا معبر للآخرة العليَّة وأرشدنا ألاَّ نتخذها مستقراً ومأمنا وملاذا بل نكون فيها كعابر سبيل. ولهذا أصبح واجبا على كل فرد مسلم أن يعتبر أن الدنيا مزرعة للآخرة قد يرى ثمار فلاحته فيها وقد لا يرى هذه الثمار إلا حين يلقى ربه وهذه حكمة من العليم الخبير وفضل من اللطيف الكريم يعطيه لمن يشاء.
بهذا المعنى سعى كل فرد مسلم إلى إعمار دنياه بأعمال البر والخير ومساعدة المحتاجين وإرشاد الضالين وفك الكرب عن المكروبين وملاطفة اليتامى والمقهورين والقوامة على الأرامل والمساكين ومصاحبة الفقراء والمعوزين والذود عن الضعفاء والمستنجدين. فلمثل هذا الدور خلقنا ولهذا الدور وجهنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وبهذا الدور يكون للمسلم حق ريادة البشرية وخيرية الأمم، كما قال سبحانه وتعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس } فإيماننا بالقضاء والقدر والتوكل على الله، وبدورنا في هذه الحياة يجعلنا قادرين على القيام بالمهام الصعبة من دون الأمم.

2- الواجب الإنساني للمسلم تجاه البشرية
ويعلمنا صلى الله عليه وسلم أن لنا واجبا قدسيا تجاه جميع الخلائق فيقول صاحب المنزلة المكلَّف إنّ ( في كل كبدٍ رطبةٍ صدقة) كي تعم خيرات المسلمين الجميع. فهناك أبواب لإنفاق الزكوات واسعة ولا تحدها حدود وهي المؤلفة قلوبهم، وفي سبيل الله، فيها سعة عظيمة تشمل الجميع. ثم يأتي بعد ذلك باب الصدقات والهبات والنذور والأوقاف والعطايا وغير هذا مما جعله الرسول الكريم منافذ للرحمة والشفقة وومضات من السعادة تغمر قلوب الفقراء والمحتاجين على اختلاف أديانهم وأجناسهم. وهذا الإعلان الذي أطلقه يشمل كافة المخلوقات.
ونحن نجد بعض هؤلاء المحتاجين من الأطفال والنساء والشيوخ وسط العديد من النازحين واللاجئين الذين انقطعت بهم السبل فأصبحوا في عداد الأموات الأحياء المنتظرين رحمة العادل الجبار… وكثيراً ما نجد من أمثال هؤلاء في المخيمات… فهل نفرق بينهم في العطاء؟ وفي هذا أسوق لكم هذه القصة المعبرة عن شعور امرأة شيشانية روسية أورثوذكسية في أحد المخيمات ( سبوتنيك ) في جمهورية أنجوشتيا على حدود الشيشان. فهي حينما تسلمت نصيبها من لحوم الأضاحي من مندوب الإغاثة قالت له: فشكرا لكم وشكرا للرب فهذه هي المرة الأولى التي آكل فيها اللحوم منذ أكثر من تسعة أشهر فأي رسالة شكر تلقتها الإغاثة الإسلامية وأي وسام أرفع وأكثر قدرا من شكر المحتاج لفاعل الخير. وامرأة عجوز أخرى داخل مدينة جروزني خرجت وقبلت أحد هؤلاء العاملين في وجنتيه فرحا بهم. وأرامل وأيتام وشيوخ يخرجون بالمئات فرحا، فهل نحرم هؤلاء من هذا العطاء.
ويقول الحبيب لمن عرف الحب فاكتوى بنيران أشواقه وسهر الليل مرتويا بأنهاره وهام دنياه باحثا عن حكم أسراره ( إن لله عباداً اختصهم الله بقضاء حوائج الناس حبّبهم إلى الخير وحبّب الخير إليهم… إنهم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة ) … فيجلجل هذا النداء في قلوب الأتقياء ومخيلات الحكماء وسرائر الشرفاء فتنطلق بهم الملكات وتتفجر من أعماقهم الطاقات كي يخلصوا جميعاً بفسيح الجنات… فقضاء حوائج الناس تكليف يعطيه الله سبحانه وتعالى إلى فئة قليلة من البشر.
وتقدر على القيام بهذه المهمة الشاقة التي تئن إليها السرائر وتدمى من أجلها القلوب فهم الخاصة من عباده الأتقياء…
نداءاً خالدا أبديا يلزم كل مسلم آمن بسيد الخلائق والأبرار محمد أن يسعى إلى قضاء حوائج الناس وليس المسلمين فقط أو العرب بل الناس كل الناس، لكي يفوز بالأمان والسكينة والطمأنينة والراحة الأبدية – في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم

الحلقة الثانية

المنظمات الشعبية غير الحكومية وتأثيرها على الساحة العالمية

بدأ هذا الدور للعمل الخيري الإنساني الإسلامي يظهر في نهاية القرن العشرين وخاصة لما كانت تواجهه القارة الإفريقية من مجاعات وكذا ما واجهه العالم من حروب وخاصة بعد اندلاع الحرب السوفيتية الأفغانية في نهاية السبعينات من القرن الماضي. ولقد أدت هذه الكوارث والحروب إلى تدافع المخلصين من أبناء الأمة الإسلامية لإنشاء العديد من المؤسسات والهيئات التي أصبح عملها ملموسا على مستوى العالم ومن هذه الهيئات الشعبية التالي:
– لجنة مسلمي أفريقيا-حاليا اسمها العون المباشر ومقرها الكويت والتي ينتشر عملها في جميع أنحاء القارة الأفريقية. وقد أنشئت في نهاية السبعينات.
– منظمة الدعوة الإسلامية ومقرها الخرطوم وأنشأت أيضا في نهاية السبعينات ولها انتشار عالمي والتي انبثق عنها مؤسستان رائدتان الأولى وكالة الإغاثة الأفريقية الإسلامية ومقرها الخرطوم والثانية مؤسسة دان فوديو الاقتصادية الاستثمارية ومقرها الخرطوم أيضا
– الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية ومقرها الكويت وأنشئت عام 1984 ولها انتشار عالمي وتسعى إلى تخفيف معاناة المحتاجين من خلال الأعمال الوقفية الاستثمارية.
– لجنة قطر لكافل اليتيم والتي أنشئت في منتصف السبعينات واسمها الآن جمعية قطر الخيرية وكان لها دور رائد تجاه قضية أفغانستان ثم انتشرت انتشارا عالميا في منتصف التسعينات.
– هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والتي هي جزء من رابطة العالم الإسلامي ومقرها جدة بالمملكة العربية السعودية وأنشئت عام 1978 كمكتب من مكاتب رابطة العالم الإسلامي ثم تحولت في النصف الثاني من الثمانينات إلى هيئة عالمية كبيرة انتشرت في جميع أنحاء المعمورة وهي من الهيئات التي ذكرها الملوك والرؤساء في مؤتمراتهم مما أثر على حجم أعمالها.
– لجنة الدعوة الإسلامية وهي جزء من جمعية الإصلاح في الكويت والتي كان لها دور كبير في أفغانستان خلال الحرب الأفغانية السوفيتية.
– جمعيات الإصلاح في البحرين، الكويت، الإمارات، اليمن والدور الفعال والمتطور الذي تقوم به داخليا وعالميا خاصة منذ مطلع التسعينات.
– جمعيات إحياء التراث في الكويت وتفاعلها مع الأحداث العالمية منذ منتصف الثمانينات.
– الإغاثة الإسلامية ببريطانيا والتي أنشئت عام 1984 وانتشرت في أكثر من 40 دولة مع نهاية القرن الماضي وهي حاليا أقوى صوت إغاثي إنساني إسلامي في الغرب.
– صندوق الأرض المحتلة الذي أنشئ في منتصف الثمانينات ثم تحول إلى صندوق الأرض المقدسة والذي تخصص في قضية فلسطين وأغلقته السلطات الأمريكية بعد أحداث سبتمبر 2001.
– العون الإسلامي ببريطانيا والذي أنشئ عام 1986لدعم المؤسسات والمشاريع المختلفة في العالم الإسلامي.
– هيئة الإغاثة الإنسانية التركية التابعة لحزب الفضيلة والتي أنشئت في بداية التسعينات ومقرها ألمانيا. وتتعاطف بحد أكبر مع قضايا مسلمي البوسنة وكوسوفا والبلقان وكذا مسلمي وسط آسيا للعلاقة التاريخية بين تركيا وهذه البلدان.
– هيئة الأعمال الخيرية – عجمان – الإمارات والتي تأسست من مطلع التسعينات ولها دور ملحوظ في قضية البوسنة.
وهناك العديد من المؤسسات المحلية التي ظهرت في بلدان كثيرة من العالم الإسلامي وأراد بهذا منشئوها أن ينعموا بالرضا في الدنيا والفوز بالأجر في الآخرة.
– لجنة التنسيق الإسلامية (كان عددها 24 هيئة) لدعم العمل الإغاثي الإسلامي وتنسيق جهود المؤسسات هناك. وكان لها دور فعالٌ في مساعدة اللاجئين والنازحين والحفاظ على هويتهم البوسنوية والإسلامية.
ولقد أصبح تأثير هذه المؤسسات على المنظومة الخيرية الإغاثية الإنسانية العالمية ملحوظا مما جعل الكثير من المؤسسات العالمية والرسمية الدولية تسارع للاعتراف والتعاون ودعم الكثير من هذه الهيئات المذكورة إيمانا منها بجدية وأهمية العمل الذي تقوم به هذه المؤسسات الإسلامية بل وبالاستعانة بهذه المؤسسات في ا لمناطق الأكثر سخونة.

الدور الرسمي الحكومي للعمل الخيري الإنساني :
تقوم الحكومات الإسلامية بدعم حركة العمل الإغاثي الإنساني العالمي بوسائل شتى بدعم مؤسسات عديدة منها:
– جمعيات الهلال الأحمر في الدول الإسلامية والتي تعمل بصورة شبه رسمية ومشاركة هذه الجمعيات في منظومة الاتحاد الفيدرالي للصليب والهلال الأحمر الدوليين.
– دعم الحكومات الإسلامية لمنظمات الأمم المتحدة الإنسانية بالتسهيلات، المواد العينية، النقديات، الدعم السياسي والمعنوي.
– المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة والذي يترأسه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر ودور التنسيق الإغاثي الذي يقوم به المجلس بطريقة شبه رسمية.
– بنك التنمية الإسلامي، جدة، المملكة العربية السعودية.
– صندوق التضامن والمنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي ومقرها جدة ودعم القضايا المصيرية العالمية.

دور الرسميين
بدأ جليا في نهاية القرن العشرين وخاصة في الخمسة أعوام الأخيرة منه رغبة الحكام في الدول الإسلامية في تنظيم أمور العمل الخيري في بلدانهم فبدأوا كحكام في إنشاء مؤسسات تحمل أسماءهم أو تكوين لجان يترأسها المسئولون أو إسناد رئاسة جمعيات الهلال الأحمر في بعض الدول الإسلامية إلى المسؤولين.

الحلقة الثالثة

لقد بعث المصطفى المختار ليتمم مكارم الأخلاق ومن مكارم الأخلاق إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج وتكفيف دموع اليتامى والمساكين أيا كانوا نصارى أو مسلمين. فهي الرحمة المهداة لسائر الخلائق { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }، فلم تحدد رسالته وبعثته الحدود والأجواء ولم تفصلها ألوان الشعوب وأهواؤها أو عادات القبائل وتقاليدها… فهي رسالة الخير كل الخير للبشر كافة.

الواجب الرسمي الحكومي
تمر الأمة الإسلامية في جميع الأقطار بأزمة عالمية وهي أزمة الاتهام بالإرهاب الدولي الإسلامي المنظم. وللأسف لقد أثرت هذه الهجمة الشرسة على الكثير من الحكومات والدوائر الرسمية مما جعلها، بدلا من أن تدفع البلاء عن أبنائها، تسير قدما وتضع خططاً لتقويض وتقييد حريات أبنائها… لذا أصبح واجبا علينا أن نقف أمام مثل هذه الهجمات ونبارك عمل المجدّ المجتهد، ونرشد الضال، ونصوّب المخطئ، ونضرب على يد المفسد، ونعزل هؤلاء المفسدين في إصلاحيات نفسية لمعالجة أمراض نفوسهم. وأصبح من الواجب على أولي الأمر أن يتخذوا خطوات فعالة لبناء مجتمع مسلم تصبح له ريادة العالم في العمل الخيري الإنساني.

الثقة بالفرد والمواطن
إن واجب الحكومات الأول هو بناء الثقة في نفوس شعوبها وإعطائهم الأدوار المراد تحقيقها من خلال أدائهم المتميز وتشجيع المبدعين وإعانة المحتاجين وإرشاد الضالين وهداية العصاة المفسدين وتطبيب المعاقين والمقعدين لكي تستطيع الأمة أن تجني ثمار أعمال أبنائها في كل عمل يؤدونه…
وعلى الحكومات ألا تتأثر بالهجمات الشرسة المغرضة التي تتبناها الكثير من الحكومات والدوائر الإعلامية والهيئات والمؤسسات المعادية للإسلام وأن تتبنى الأعمال الإسلامية المتميزة التي تقوم بها الهيئات الإسلامية والإبداعات الرائدة التي تتميز بها أعمال أبنائها.

دفع عجله التطوع
تغفل الكثير من الحكومات الإسلامية عن الدور الرائد الذي تقوم به المؤسسات التطوعية وخاصة في بناء مؤسسات المجتمعات المدني الحديثة والقديمة مما يؤدي إلى إهدار طاقات أبنائها وتشتيت جهودهم وعدم الاستفادة من إبداعات أدائهم. ولذا فمن الواجب على الدوائر الرسمية أن تدفع عجلة العمل التطوعي من خلال:

– مجال التعليم:
أن يجعل التطوع مادة عملية تدرس للأطفال في المدارس الابتدائية ثم للطلبة في المدارس الثانوية ثم تنفذ من خلال برامج عملية للشباب في الجامعات والمعاهد.

– الإعلام:
أن يبرز الإعلام دور التطوع والمتطوعين لربات البيوت والمسنين لكي يكون لهم دور رائد وفعال في أوقات محددة ووفق برامج مدروسة تبصر هؤلاء بدورهم التطوعي الخيري.

– الحوافز:
أن تجعل الحكومات يوما للتطوع يثاب فيه المتطوع على حسن أدائه، ويكون هذا اليوم عيدا قوميا يكرم فيه هؤلاء تكريما معنويا أو تكريما ماديا تستفيد منه هيئاتهم وأحباؤهم وأيضا أسرهم. فلا مانع من إعطاء حافز مادي لمتطوع مبدع… فيصبح التطوع من الأعمال النبيلة التي يسمو أبناء الأمة بأدائها.

– تسهيل قوانين إنشاء الجمعيات ذات النفع العام:
الأصل في الأشياء الإباحة، والعمل الخيري حلال ولا بد أن يكون مباحا وحقا متاحا لجميع أبناء الأمة… فالأصل في الأمور التسهيل على المواطنين لتسجيل جمعيات ذات نفع عام تتبع قوانين منضبطة لمراقبة الأداء وخاصة كيفية صرف الأموال ونسب المصاريف الإدارية التي تنفقها، وأيضا قيمة المال المنفق في كل مشروع فلا يوجد هناك تعارض بين سهولة التسجيل والتشجيع عليه وصرامة المراقبة وحسن الأداء.

– الهاجس الأمني:
تأثر كثير من الدوائر الحكومية في البلدان الإسلامية من الهجمات الشرسة على أبناء الأمة الإسلامية والإسلام وخاصة العاملين في مجال العمل الخيري الإنساني، فأصبحت أجهزة هذه الدول الأمنية مصدرا رئيسيا في إعاقة أعمال هذه الجمعيات ومصدر رعب يخيف القائمين عليها، وأحد الأسباب الأساسية التي تثبط همم المتطوعين والمتبرعين وكذا قوة طاردة لمن أراد أن يعمل عمل الخير. فمثل هذه الدوائر الأمنية تحاسب الشخص على شكله ووصفه قبل أن ترى عمله، فتتدخل كثيرا في رفض تسجيل الجمعيات لكون أحد الأشخاص له رأيا معارضا أو وصلت إليهم عنه وشاية (قد لا تكون صحيحة) أو تشابه اسمه مع اسم آخر… ولا تتبع القاعدة المتفق عليها في أن فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته مما جعل الكثير من أبناء الأمة يحجم عن التطوع والتبرع وينفق ماله وجهده دون فائدة قصوى تتحقق منها الأهداف التي تسمو إليها الحكومات في الدول الإسلامية والأمة مجتمعة. فعلى الدوائر الأمنية محاسبة الأفراد والجمعيات من خلال الأداء ومدى الاستفادة من المشاريع المقامة وكذا تقييم قيمة صرف المال العام لكل مستفيد.

– تشجيع الشركات والمؤسسات والأفراد على العطاء:
وذلك بوضع قوانين إعفاء ضريبي للمبالغ المتبرع بها وساعات العمل المتطوع بها وتحفيز مثل هذه الشركات على إقامة مشاريع خيرية اقتصادية تستفيد منها الشركات والأفراد. وأن يكون الأصل في هذا مبدأ { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } وأن يوجد دليل للشركات الرائدة في الأعمال الخيرية تصدره الدولة وتعطي جائزة عينية لمثل هذه الشركات أو الأفراد.

– تحقيق مبدأ المشاركة بين الحكومة والجمعيات الأهلية:
أن تعلن الحكومات والهيئات الرسمية الشراكة مبدأ أساسيا لبناء مؤسسات المجتمع المدني وإقامة بنية سليمة لمجتمع قويم يبرز من خلال مؤسساته تحقيق هذا المبدأ:
أ- على الصعيد الداخلي: أن تعتبر الحكومات أن الجمعيات الأهلية هي يدها الأولى التي تستطيع أن تصل إلى أبعد الأماكن والسير في أصعب الطرق بصورة ميسرة لتحقيق برامج الدولة في إيصال خبراتها وخيرات أبنائها لهؤلاء المحتاجين بأسرع الوسائل الممكنة والمتاحة، التي قد لا تستطيع الوصول إليها الهيئات الرسمية وشبه الرسمية لكثرة البيروقراطيات التي تحيط بتنفيذ أعمالها. ويكون هذا بالتشجيع المادي وبدعم مشاريع الجمعيات المدروسة بكفاءة من قبل مؤسسات الدولة وكذا دعمها معنويا بشكرها على حسن الأداء ومشاركة مسئوليها في حضور مراسم واحتفالات إنشاء هذه المشاريع.
ب- على الصعيد الخارجي: أن تعتبر الدولة أن مؤسساتها الدولية الأهلية بمثابة السفراء الشرفاء الذين يحملون حب الإخلاص لدولتهم وعمل الخير الذي ينطلق من أفئدتهم. وإن لم تكن هناك إمكانيات مادية متاحة لدعم مثل هذه الهيئات والمؤسسات والجمعيات فأقل ما تفعله الدولة في هذا المجال هو دعم هذه المؤسسات والهيئات معنويا تقديرا لجهودها وحبا لأبناء شعبها… وأن تدعمهم سياسيا أيضا إذا تعرضت إحدى هذه الهيئات لمشاكل سياسية أو أمنية في إحدى الأماكن العاملة فيها عن طريق سفاراتها وذلك حماية لأموال المواطنين وسمعة وسلامة العاملين المخلصين، وألاَّ تتركهم فكالأيتام على مائدة اللئام كما يحدث في بعض الأحيان… ولا يمنع أن يكون للدولة ومؤسساتها حق الاطلاع على صدق المشاريع وجديتها ومصداقية الجمعيات ونوايا العاملين فيها وفق الطرق المشروعة والمتاحة.

واجب الهيئات شبه الرسمية والمؤسسات التي يترأسها المسؤولون:
– أن تستفيد مثل هذه الهيئات والمؤسسات من الإمكانيات المتاحة لها من حكوماتها وألاَّ تتردد في السير قدما لتحقيق أهدافها المنوطة بالقيام بها وفق السياسات المرسومة لها والصلاحيات المعطاة لها من قبل الدولة وألا تصبح فأكثر ملكية من الملكف كما يفعل الكثير منها.
– أن يكون الهدف الأول لهذه المؤسسات كونها عاملاً محفزاً ومشجعاً للمؤسسات والجمعيات التطوعية وأن تكون هي بخصوصياتها المعطاة لها عامل دعم وتمويل لكبار وصغار الجمعيات الأهلية والرسمية والجمعيات شبه الرسمية في تبني ودعم المشاريع المقدمة لها وتحفيز العاملين فيها على الإبداع وفق مبادئ التنافس الشريف وأن يصبح دورها رائدا في دعم وتمويل هذه الجمعيات.
واجب المؤسسات الشعبية غير الحكومية
أولاً: كسب ثقة المواطن لمزيد من البذل والعطاء
– توخي الشفافية والصدق والوضوح في جميع الأعمال التي تقوم بها.
– تدريب المتطوعين وإشراكهم في إدارة أعمال الجمعيات ومشاريعها بطريقة منتظمة.
– مناقشة الخطط والميزانيات بالتفصيل في اجتماع الجمعيات العمومية.
– إشهار الحالة المادية والحسابية وممتلكات الجمعيات على أفراد الجمعية العمومية وفي الجرائد المحلية. وفتح باب المساءلة للجميع في كيفية صرف الأموال.
– تداول المسؤولية بطريقة دورية كي يتسنى تجديد وتحسين الأداء وثقة أعضاء الجمعية العمومية في سير الأمور وإصلاح السياسات وتجديد روح عطاء العاملين والقائمين على أمور جمعياتهم.
– بناء جسر تواصل قوي بين المتبرع والجمعية بإخبارهم وإرسال إيصالات استلام الأموال وكذا مشاركتهم في إبداء الرأي والاقتراحات لتحسين الأداء.
– إعطاء حوافز معنوية ومادية لكبار المتبرعين والمتطوعين والمبدعين من العاملين وكذا شكر صغار المتبرعين، مسترشدين في هذا بقول المصطفى المختار ( ولا تحقرن من المعروف شيئا ) و(أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ).
ثانياً: تحقيق ذات المواطن من خلال هذه الأعمال:
إشعار المواطن أن الجمعية راغبة وتستطيع بقدر الإمكانات المتاحة لها بتحقيق جميع رغباته المشروعة وفق خططها وسياساتها ومجالات عملها، وأن المواطن هو الحجر الأساسي في بناء مثل هذه الجمعيات برأيه وتطوعه وتبرعه ومساندته وحسن دعائه للجمعية وأن المالك الحقيقي لمثل هذه الجمعيات هم المستفيدون من الفقراء والمعوقين والمعوزين واليتامى والمساكين، وأن هدف الجمعية هو أن تكون حلقة الوصل الوثيقة لإيصال خيرات المتبرعين إرضاء لرغباتهم إلى المستحقين من أهل الحاجات للتخفيف من معاناتهم وللمحافظة على كرامتهم. ولا بد من المحافظة على خصوصية صاحب المال في التبرع بأن تجعل إشهار هذا العمل الذي يقوم به وخاصة في مجال العطاء المادي بناءً على موافقة رسمية مسبقة منه.

فالرسالة التي ينبغي أن نوجهها للعالم هي أن كل الناس من جميع الأديان لهم الحق في دعمنا اللامشروط. فإن كان ذلك هو حق لهم علينا فمن واجبنا أن نفي بوعدنا مع الله سبحانه وتعالى ونمد يد العون للمحتاجين. لذا فأنا أدعو المؤمنين إلى الرجوع إلى تعاليم الكتب السماوية، ولنقل للعالم أننا سنقوم بكل ما بوسعنا من أجل مساعدة الفقراء في العالم بغض النظر عن جنسهم أو دينهم أو لون بشرتهم. والجائزة التي ننتظرها لن تتمثل في ربح مادي نجنيه من عملنا الخيري. كلا، ولكن جائزتنا هي دعوات أولئك الذين استفادت فلذات أكبادهم مما قمنا به من أعمال خيرية، وبسمات الأمهات اللواتي عانين من الجوع والمرض والفقر…

واليوم هناك الكثير من الناس في العالم يرون في الإسلام تهديداً لحياتهم، وفي الواقع هم يخشون أفعال مجموعة قليلة من المسلمين. فمن واجبنا كمسلمين أن نقوم من خلال الأفعال لا الأقوال، وأن نؤكد للعالم أجمع بأنه لدينا دوافع ورغبات قوية في مساعدة الفقراء مثلما تفعل الأمم الأخرى. فالتعايش والتعارف والتداخل بين الأمم جعله الله واجباً من واجبات المسلمين حيث قال: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } (الحجرات 13).
وأدعو الله عز وجل أن يستغني الناس عن مساعدتنا لهم، ولكن حتى يحصل ذلك دعونا نقف جنباً إلى جنب مع إخواننا وأخواتنا في أرجاء العالم المختلفة. فإذا قمنا بذلك سنتمكن بإذن الله من القضاء على الفقر والوصول إلى عالم تسوده العدالة والمساواة بين جميع بني البشر.

إن العمل الخيري هو حق إلهي لجميع بني البشر، وليس من حق أي فرد كائنا من كان أو نظاما أو قانونا وضعيا أن يمنع الإنسان من شرف نيل رضا النفس بإقامة أعمال الخير ومساعدة الآخرين. فهذا حق فطري شرعي قرره الله سبحانه وتعالى لكل بني البشر ووضعه في صفات كل الخلائق جميعا ومن أراد أن يحجم أو يحتكر أو يمنع هذا الحق الفطري من ممارسته فإنما هو وقوف ضد الفطرة ومحاولة يائسة لتعطيل شرع الله لإعمار الكون وإرخاء السلام .

 

 

الدكتور هاني عبد الجواد البنا
رئيس الإغاثة الإسلامية

مجلة طريق الخير العدد ( 20 – 21 – 22 )

Previous Post
Newer Post

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Shopping Cart (0 items)